على أنقاض الحرب العالمية الثانية، تسعى الحكومة المصرية إلى إقامة مدينة مليونية بعد سنوات كلفتها ملايين الجنيهات لإزالة الألغام من آلاف الأفدنة من الأراضي الصحراوية التي تطل على شواطئ البحر المتوسط. وكانت تلك المنطقة ساحة للقتال بين الألمان والإنجليز زرعت فيها ملايين الألغام قضت على أرواح مئات المصريين البدو الذين يعيشون في الصحراء.
المدينة الجديدة التي تقع على مساحة 88.5 ألف فدان ستبدأ عملية التنمية بها على مساحة 18 ألف فدان، وهي جزء من الأراضي البالغ مساحتها 26 ألف فدان التي تم نزع الألغام منها مؤخرا.
«نستهدف إعادة توزيع الكثافة السكانية في مصر، منطقة الساحل الشمالي غير مستغلة سوى في شهور الصيف فقط، لديها إمكانيات هائلة، فهي قريبة من السواحل والموانئ، كما أنها قريبة من أوروبا، وبالتالي فهي تصلح كمنطقة سياحية وصناعية، ومنطقة سكنية، وهذا ما نسعى إلى عمله خلال الفترة المقبلة»، كما قال رئيس جهاز مدينة العلمين المهندس محمد الدقاق.
وأضاف الدقاق وهو ينظر إلى الأراضي الصحراوية للمدينة التي تكاد تلمح بعينك بعض المنازل الصغيرة للبدو المصريين: «تلك المنطقة رائعة، صدر قبل أيام قرار إنشاء المدينة بعد إجراء بعض التعديلات على مساحتها وحدودها، تخطيط المدينة قد يستغرق من تسعة أشهر إلى عام، وفي المرحلة الثانية سنقوم بعمل البنية التحتية لتلك الأراضي المطهرة من الألغام وهذا سيستغرق عاما، ثم نقوم بعد ذلك بتنفيذ مخطط المدينة وبناء مشاريع صناعية وسياحية وسكنية».
فكرة إنشاء المدينة ليست جديدة، فقد أعلنت الحكومة المصرية في 2010 عن رغبتها في إقامة تلك المدينة لاستغلال إقليم الساحل الشمالي الغربي بما يمتلكه من مقومات تسمح بإنشاء تجمعات سكنية، فضلا عن إمكانية استيعابه للأنشطة الصناعية والزراعية واللوجيستية، وكانت كبرى المعوقات وقتها اعتراض القبائل خوفا من ضياع الأراضي التي يسيطرون عليها منذ عقود، وهددوا باستخدام السلاح إذا ما تم تنفيذ الأعمال الإنشائية للمدينة دون موافقتهم.
ويقول الدقاق: «تحدثنا مع أهالي المنطقة. ليس لديهم اعتراضات على إقامة مشاريع، يريدون فقط أن يستفيدوا من التنمية التي ستحدث في تلك المنطقة، وهذا من حقهم، فبعضهم يسعى لأن يكون موردا لمواد البناء والبعض الآخر مقاولا، وغير ذلك، فهم سيكونون جزءا من التنمية في تلك المنطقة».
وأضاف الدقاق أن هناك دراسة لإنشاء حي على الطراز البدوي تخصص فيه الدولة أراضي لأهالي العشائر والقبائل لإنشاء مساكن لهم طبقا لعاداتهم وتقاليدهم، ويكون جزءا من مدينة العالمين المليونية.
«نسعى خلال الفترة المقبلة إلى زيادة مساحات الأراضي المطهرة من الألغام بتلك المنطقة، الفترة المقبلة سنبدأ في نزع ألغام 190 ألف فدان أخرى، وهناك دراسة مقدمة من القوات المسلحة إلينا متعلقة بهذا الأمر»، كما قال وزير التعاون الدولي الدكتور أشرف العربي.
وأضاف العربي أثناء تسليمه لخرائط المساحات المطهرة من الأراضي إلى وزير الإسكان أن بلاده تستهدف «إنهاء حالة التكدس في وادي النيل، التي تسببت في أزمة الإسكان في مصر، وأدت إلى ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات إلى مستويات قياسية، فلذلك كان التفكير لإنشاء مدن مليونية جديدة، كما نستهدف في مدينة العلمين وشرق التفريعة في بورسعيد».
العلمين جزء من الصحراء الغربية المصرية التي تمثل 22% من إجمالي مساحة مصر، خلفت الحرب العالمية الثانية ملايين الألغام وقذائف الطائرات في المنطقة من حدود الإسكندرية شرقا حتى الحدود المصرية الليبية غربا، وحتى منخفض القطارة. للصحراء تلك إمكانيات هائلة، فهي تصلح للزراعة نتيجة توافر مياه الآبار بها، كما تملأ الثروات المعدنية بطونها، وبدأ عملية إزالة الألغام بها عام 1981.
«تأخرنا في إزالة الألغام في المنطقة بسبب عدم وجود تسجيلات وخرائط دقيقة لحقول الألغام، بالإضافة إلى قدم وتآكل أجزاء الألغام ومخلفات الحروب مما يزيد مع الوقت من فعالية وحساسية الألغام، كما أن تحرك الكثبان الرملية أدى إلى وجود ألغام على أعماق تزيد عن 10 أمتار، ما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة تطهير الأراضي»، كما يقول العميد فتحي منصور رئيس فرع الهندسة بالقوات المسلحة المصرية.
وأشار إلى أن مساحات المناطق الموجود بها ألغام ومخلفات حروب بالصحراء الغربية تبلغ 248 ألف هكتار تم تحديدها بمناطق العلمين والحمام بجنوب مطروح، وتم اكتشاف وتحديد 186 ألف هكتار أخرى بمنطقة العلمين والحمام والضبعة كامتداد للمساحة المعلن عنها، بالإضافة إلى مساحة 76 ألف هكتار تم اكتشافها وتحديدها بمناطق مرسى مطروح وسيدي براني والسلوم.