أرسلت أم فرنسية نجلها البالغ من العمر ثلاث سنوات إلى الحضانة وهو يرتدي قميصا مكتوبا عليه من الأمام «أنا قنبلة»، ومن الخلف «أنا جهاد مولود في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)»، مما أدى إلى رفع قضية جنائية غير عادية وذات أبعاد سياسية في اختبار حقيقي لمدى حدود حرية التعبير - والتفكير المنطقي السليم - في فرنسا التي باتت تشعر بقلق بالغ من العدد المتنامي للسكان المسلمين.
ويتوقع الادعاء والدفاع على حد سواء أن تكون نتيجة تلك القضية بمثابة سابقة قانونية، في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة الفرنسية والنظام القضائي على وضع حد للاحتكاكات المتكررة بين الأقلية المسلمة التي تشكل 8 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 65 مليون نسمة وغالبية السكان المسيحيين.
وقد ازدادت حدة التوترات بسبب إرسال فرنسا لقوات عسكرية للقضاء على تمرد الحركات الإسلامية في مالي، في الوقت الذي تقوم فيه شرطة مكافحة الإرهاب في فرنسا بتمشيط الضواحي الفقيرة في البلاد بحثا عن الشباب المسلمين الذين يدعون إلى الجهاد والانتقام.
وكانت القضية التي شهدتها بلدة سورغ الصغيرة الواقعة إلى الشمال مباشرة من مدينة أفينيون قد بدأت في الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي في مكان غير متوقع هو حضانة «راميير دو سورغ»، بعدما شعرت إحدى المدرسات بالذعر عندما رأت القميص الذي يرتديه جهاد.
وعلى الرغم من أن جهاد ولد بالفعل في الحادي عشر من سبتمبر، فإن المدرسة رأت أن هذه العبارات تعد بمثابة إشارة إلى الهجمات التي شنها تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001. وأبلغت المدرسة مديرة الحضانة، التي شعرت بالغضب هي الأخرى واستدعت والدة جهاد، التي تدعى بشرى باجور، وهي من أصل مغربي عمرها 35 عاما.
وقد اعتذرت الأم، التي تعمل كسكرتيرة، عما حدث، وقالت إنها لم تكن تقصد نقل رسالة سياسية من خلال القميص، وتعهدت بألا يرتدي نجلها هذا القميص مرة أخرى. ومع ذلك، لم ينته الأمر عند هذا الحد، حيث بعثت المديرة بتقرير إلى الإدارة التعليمية للمنطقة، كما تم إرسال نسخة من التقرير إلى عمدة المدينة تييري لاغنو، الذي ينتمي إلى حزب اتحاد حركة شعبية المحافظ، والذي قال في مقابلة شخصية إنه يرى أن القميص يعد «استفزازا»، ولذا قرر أن يتخذ الإجراءات اللازمة. وقال لاغنو «قلت لنفسي إنه لا يتعين أن يمر ما حدث مرور الكرام. أنا لا أعرف ما الدوافع وراء ما حدث، ولكن لم يكن بالإمكان أن ندع ما حدث يمر وكأنه لم يحدث. كان يتعين علينا أن نضع حدودا لذلك».
في التاسع والعشرين من سبتمبر كتب لاغنو خطابا إلى المدعي العام للمنطقة برنارد مارشال، وطالب بإجراء تحقيق ورفع قضية جنائية، كما طالب بفتح تحقيق آخر من قبل السلطات المعنية بالطفل لمعرفة ما إذا كانت باجور أما صالحة أم لا. وهددت المديرة بفصل جهاد من الحضانة في حالة ارتدائه القميص مرة أخرى «نظرا لمواقف والديه، اللذين لا يمكنهما إنكار التأثير الهائل لتلك التصرفات».
وقبل وقت ليس بالقصير، استدعت الشرطة باجور وشقيقها، زياد باجور (29 عاما)، بشكل منفصل وتم توجيه أسئلة إليهما في ما يتعلق بميولهما الدينية والسياسية. وأفرج عن الأم بعد الاستجواب الذي استمر ساعة تقريبا، أما زياد، الذي كان اشترى القميص بالقرب من مدينة أفينيون وأهداه لجهاد، فتم احتجازه لمدة أربع ساعات.
وقال سليمان ماكو، محامي زياد «كانت الأسئلة مخزية». وفي مقابلة شخصية قال زياد، الذي ولد في فرنسا ويعمل ليلا في مطعم للوجبات السريعة، إنه سئل ما إذا كان يمارس الشعائر الإسلامية بانتظام أم لا، وما إذا كان يهتم بالإرهاب وما إذا كان سافر إلى أفغانستان أو بلدان مشابهة للتواصل مع منظمات جهادية. وقال إنه رد أن السفر الوحيد له في الآونة الأخيرة كان إلى جزيرة إيبيزا للاستمتاع بالشاطئ. وكان السؤال الأكثر إثارة للقلق، الذي وُجه للأم والخال على حد سواء، هو: هل تم إغراء أحد الموظفين بالمال لكتابة تاريخ جهاد في 11 سبتمبر؟.. وكانت الإجابة: بالطبع لا.
وعقب الانتهاء من تحقيقات الشرطة، لم يتم توجيه اتهامات متعلقة بالإرهاب لكل منهما، لكن المدعي العام قرر توجيه اتهام إلى باجور وشقيقها مع «اعتذار عن الجريمة»، بموجب القانون الفرنسي لعام 1981 الذي يفرض عقوبة تصل إلى خمس سنوات سجنا وغرامة تصل إلى 58.000 دولار.
وعقب تلك الاتهامات، عقد لاغنو مؤتمرا صحافيا قال فيه «لا يمكن أن يتسامح مجتمعنا مع التوجهات المتطرفة. أعتقد أنه يتعين على كل من في السلطة أن يعمل على استئصال تلك التوجهات وإدانتها، وأن يتم التعامل بحزم شديد مع تلك القضية. وأعتقد أن هذا هو واجبي، وإلا فإننا نخاطر بالاستهانة بتلك الوقائع الخطيرة في حقيقة الأمر».
وقال زياد، وهو شاب أعزب يعيش مع شقيقته بشرى وشقيقين آخرين، إنه لا يعرف السبب وراء هذه الضجة، مشيرا إلى أنه اشترى القميص من دون أن يفكر في أي أبعاد سياسية. وأضاف أن القميص كان مكتوبا عليه بالفعل عبارة «أنا قنبلة» من الأمام، أما بالنسبة للعبارة المكتوبة على القميص من الخلف فإنه كان يريد أن يكتب اسم جهاد وتاريخ ميلاده. وأضاف «كان الأمر على سبيل المزاح»، معتذرا عن أي مشاكل قد يكون قد تسبب فيها.
أما بالنسبة للاغنو فإن الأمر يتعدى كونه مجرد مزحة، وأنها بمثابة دعوة متعمدة للجهاد. واستعان لاغنو بمحام ورفع قضية جنائية في ما يعرف في القانون الفرنسي باسم «مدع بالحق المدني»، مدعيا أنه عانى من آثار تلك الجريمة المزعومة. وقال لاغنو «إنهم يعرفون جيدا ما يقومون به، ولا يوجد أي التباس في الأمر».
وخلال المحاكمة التي استمرت لمدة أربع ساعات في السادس من مارس (آذار)، قال نائب المدعي العام أوليفييه كوفيغنو إن القميص يعد بمثابة رسالة سياسية متعمدة، مطالبا القضاة بفرض غرامة قدرها 4.000 دولار على زياد و1300 دولار على الأم.
وبعد سماع المرافعات، أجلت المحكمة النطق بالحكم إلى العاشر من أبريل (نيسان).